فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما كانت محبة الله ورسوله ترضى منها بدون النهاية قال كائنًا عن ذلك: {بكرة وأصيلًا} أي وعشيًا إيصانًا لما بين النهار والليل بذلك.
ولما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم ما أرسله له، وختم الآية بأنه لا يرضى من ذكره وذكر رسوله إلا بالمداومة بالفعل أو بالقوة مع توحيده الضمير إشارة إلى وحدة الإرادة والمداوة بالفعل أو بالقوة مع توحيده الضمير إشارة إلى وحدة الإرادة والمحبة من الرسول والمرسل، أوضح المراد بتوحيد الضمير بقوله مرغبًا في اتباعه ومرهبًا لأتباعه عن أدنى فترة أو توان فيما دخلوا فيه من الإيمان الذي هو علة الرسال، وما ذكره معه في جواب من يسأل: ما سبب توحيد الضمير والمذكور اثنان؟ مؤكدًا لأجل ما غلب على الطباع البشرية من التقيد بالوهم والنكوص عما غاب ولا مرشد إليه سوى العقل: {إن الذين}.
ولما كان المضارع قد يراد به مطلق الوقوع لا بقيد زمن معين كما نقلته في أول سورة البقرة عن أبي حيان وغيره، عبر به ترغيبًا في تجديد مثل ذلك والاستمرار عليه فقال: {يبايعونك} أي في بيعة الرضوان وقبلها وبعدها على ما جئت به من الرسالة التي مقصودها الأعظم النذارة التي مبناها على المخالفة التي تتقاضى الشدائد التي عمادها الثبات والصبر، وسميت مبايعة لأنهم بايعوا أنفسهم فيها من الله بالجنة وهذا معنى الإسلام، فكل من أسلم فقد باع نفسه سبحانه منه {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم} [التوبة: 111]، الآية.
{إنما يبايعون الله} أي الملك الأعظم لأن عملك كله من قول وفعل له {وما ينطق عن الهوى} [النجم: 3].
ولما عظم بيعته بما رغب فيها ترغيبًا مشعرًا بالترهيب، زادها تعظيمًا بما الترهيب فيه أظهر من الأول، فقال مبينًا للأول: {يد الله} أي المتردي بالكبرياء.
ولما كان منزهًا.
عما قد يتوهم من الجارحة مما فيه شائبة نقص، أومأ إلى نفي ذلك بالفوقية مع ما فيه من الدلالة على تعظيم البيعة فقال: {فوق أيديهم} أي في المبايعة عالية عليهم بالقدرة والقوة والقهر والعزة، والتنزه عن كل شائبة نقص، ولذلك كرر الاسم الأعظم في هذه ثلاث مرات إشارة إلى العظمة الفائتة للوصف والغيب العالي عن الإدراك، ثم أعاد ذكره بالضمير إيذانًا بالغيب المحض، هذا هو المراد من تعظيم البيعة وإجلال الرسول صلى الله عليه وسلم مع العلم القطعي بتنزيه الله سبحانه عن كل شائبة نقص من حلول أو اتحاد كما هو واضح في مجاري عادات العرب ظاهر جدًا في دأبهم في محاوراتهم، لا يشك فيه منهم عاقل عالم أو جاهل أصلًا، فلعنة الله على من حمله على الظاهر من أهل العناد ببدعة الاتحاد على من تبعهم على ذلك من الرعاع الطغام الذي شاقوا الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، وجميع الأئمة الأعلام، وسائر أهل الإسلام: ورضوا لأنفسهم بأن يكونوا أتباع فرعون اللعين، وناهيك به في ضلال مبين.
ولما كان كلام الله تعالى- وإن جرى مجرى الشرط والتهديد لا بد أن يقع منه شيء وإن قل، وكان من سر التعبير بالمضارع {يبايعونك} الإشارة إلى نكث الجد بن قيس أصل بيعته على الإسلام فإنه اختبأ في الحديبية وقت البيعة في وقت من الأوقات، فلم يبايع، سبب عن ذلك وفصل ترغيبًا وترهيبًا، فقال معبرًا بالماضي إيذانًا بأنه لا ينكث أحد من أهل هذه البيعة: {فمن نكث} أي نقض في وقت من الأوقات فجعلها كالكساء الخلق والحبل البالي الذي ينقض {فإنما ينكث} وعبر بالمضارع إشارة إلى أن من فعل النكث فهو في كل لحظة ناكث نكثًا جديدًا {على نفسه} لا على غيرها فإنه بمرأى من الله ومسمع وهو قادر عليه جدير بأن يعاقبه بعد ما عجل لنفسه من العار العظيم في الدنيا ويستحل به على نكثه عذابًا أليمًا، ولا يضر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا فإن الله ناصره لا محالة، وكذا كل منكوث به إذا أراد الله نصرته فإن يده سبحانه فوق كل يد.
ولما أتم الترهيب لأنه مقامه للحث على الوفاء الذي به قيام الدين على أبلغ وجه، أتبعه على عادته الترغيب إتمامًا للحث فقال تعالى: {ومن أوفى} أي فعل الإتمام والإكثار والإطالة {بما عهد} وقدم الظرف اهتمامًا به فقال: {عليه الله} أي الملك المحيط بكل شيء قدرة وعلمًا من هذه المبايعة وغيرها فإنما وفاؤه لنفسه {فسيؤتيه} أي بوعد لا خلف فيه {أجرًا عظيمًا} لا يسع عقولكم شرح وصفه، ومن قرأ بالنون أظهر ما ستر في الجلالة من التعظيم، والآية من الاحتباك: ذكر أولًا أن النكث عليه دليلًا على أن الوفاء له ثانيًا، وإيتاء الأجر ثانيًا دليلًا على إحلال العقاب أولًا وسره أنه بين أن ما يرديه الناكث من الأذى لغيره إنما هو واقع به، لأن ذلك أعظم في الترهيب عن النكث لما جبل الإنسان عليه من النفرة عن ضر نفسه وبعده عنه، وذكر الأجر للموفي لأنه أعظم في الترغيب، وسبب بيعة الرضوان هذه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فهم من بروك ناقته في الحديبية الإشارة من الله سبحانه وتعالى إلى أنه لم يأذن في دخولهم البلد الحرام في هذه السفرة، فمشى مع إرادته سبحانه وتعالى لأنه ليس فيها مخالفة لما أمر به سبحانه إلى أن وقع الصلح الذي كان الفتح هو بعينه، وكان في غضون ذلك أن أرسل عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه إلى مكة المشرفة ليخبر قريشًا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجئ لقتال وأنه لا يريد إلا الاعتمار، فأرجف مرجفون بأنه قد قتل، فعزم النبي صلى الله عليه وسلم على مناجزتهم فبايع الصحابة رضي الله عنه م على أن لا يفروا عنه، فبايع كل من كان معه إلا جد بن قيس، فإنه اختبأ تحت إبط بعيره فلم يبايع، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كلكم مغفور له إلا صاحب الجمل الأحمر». اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8)}.
قال المفسرون: {شاهدا} على أمتك بما يفعلون كما قال تعالى: {وَيَكُونَ الرسول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] والأولى أن يقال إن الله تعالى قال: {إِنَّا أرسلناك شَاهِدًا} وعليه يشهد أنه لا إله إلا الله كما قال تعالى: {شَهِدَ الله أَنَّهُ لا إله إِلاَّ هُوَ والملائكة وَأُوْلُواْ العلم} [آل عمران: 18] وهم الأنبياء عليهم السلام، الذين آتاهم الله علمًا من عنده وعلمهم ما لم يكونوا يعلمون، ولذلك قال تعالى: {فاعلم أَنَّهُ لاَ إله إِلا الله} [محمد: 19] أي فاشهد وقوله: {وَمُبَشِّرًا} لمن قبل شهادته وعمل بها ويوافقه فيها {وَنَذِيرًا} لمن رد شهادته ويخالفه فيها ثم بيّن فائدة الإرسال على الوجه الذي ذكره فقال: {لّتُؤْمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} وهذا يحتمل وجهين: أحدهما: أن تكون الأمور الأربعة المذكورة مرتبة على الأمور المذكورة من قبل فقوله: {لّتُؤْمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ} مرتب على قوله: {إِنَّا أرسلناك} لأن كونه مرسلًا من الله يقتضي أن يؤمن المكلف بالله والمرسل وبالمرسل وقوله: {شاهدا} يقتضي أن يعزر الله ويقوي دينه لأن قوله: {شاهدا} على ما بينا معناه أنه يشهد أنه لا إله إلا هو فدينه هو الحق وأحق أن يتبع وقوله: {مُبَشِّرًا} يقتضي أن يوقر الله لأن تعظيم الله عنده على شبه تعظيم الله إياه.
وقوله: {نَذِيرًا} يقتضي أن ينزه عن السوء والفحشاء مخافة عذابه الأليم وعقابه الشديد، وأصل الإرسال مرتب على أصل الإيمان ووصف الرسول يترتب عليه وصف المؤمن وثانيهما: أن يكون كل واحد مقتضيًا للأمور الأربعة فكونه مرسلًا يقتضي أن يؤمن المكلف بالله ورسوله ويعزره ويوقره ويسبحه، وكذلك كونه {شاهدا} بالوحدانية يقتضي الأمور المذكورة، وكذلك كونه {مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} لا يقال إن اقتران اللام بالفعل يستدعي فعلًا مقدمًا يتعلق به ولا يتعلق بالوصف وقوله: {لّتُؤْمِنُواْ} يستدعي فعلًا وهو قوله: {إِنَّا أرسلناك} فكيف تترتب الأمور على كونه {شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا} لأنا نقول يجوز الترتيب عليه معنى لا لفظًا، كما أن القائل إذا قال بعثت إليك عالمًا لتكرمه فاللفظ ينبىء عن كون البعث سبب الإكرام، وفي المعنى كونه عالمًا هو السبب للإكرام، ولهذا لو قال بعثت إليك جاهلًا لتكرمه كان حسنًا، وإذا أردنا الجمع بين اللفظ والمعنى نقول: الإرسال الذي هو إرسال حال كونه شاهدًا كما تقول بعث العالم سبب جعله سببًا لا مجرد البعث، ولا مجرد العالم، في الآية مسائل:
المسألة الأولى:
قال في الأحزاب {إِنَّا أرسلناك شَاهِدًا وَمُبَشّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى الله بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا} [الأحزاب: 45، 46] وههنا اقتصر على الثلاثة من الخمسة فما الحكمة فيه؟ نقول الجواب عنه من وجهين أحدهما: أن ذلك المقام كان مقام ذكره لأن أكثر السورة في ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم وأحواله وما تقدمه من المبايعة والوعد والدخول ففصل هنالك، ولم يفصل هاهنا ثانيهما: أن نقول الكلام مذكور هاهنا لأن قوله: {شاهدا} لما لم يقتض أن يكون داعيًا لجواز أن يقول مع نفسه أشهد أن لا إله إلا الله، ولا يدعو الناس قال هناك وداعيًا لذلك، وههنا لما لم يكن كونه {شاهدا} منبئًا عن كونه داعيًا قال: {لّتُؤْمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ} دليل على كونه سراجًا لأنه أتى بما يجب من التعظيم والاجتناب عما يحرم من السوء والفحشاء بالتنزيه وهو التسبيح.
المسألة الثانية:
قد ذكرنا مرارًا أن اختيار البكرة والأصيل يحتمل أن يكون إشارة إلى المداومة، ويحتمل أن يكون أمرًا بخلاف ما كان المشركون يعملونه فإنهم كانوا يجتمعون على عبادة الأصنام في الكعبة بكرةً وعشية فأمروا بالتسبيح في أوقات كانوا يذكرون فيها الفحشاء والمنكر.
المسألة الثالثة:
الكنايات المذكور في قوله تعالى: {وَتُعَزّرُوهُ وَتُوَقّرُوهُ وَتُسَبّحُوهُ} راجعة إلى الله تعالى أو إلى الرسول عليه الصلاة والسلام؟ والأصح هو الأول.
{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)}.
لما بيّن أنه مرسل ذكر أن من بايعه فقد بايع الله، وقوله تعالى: {يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} يحتمل وجوهًا، وذلك أن اليد في الموضعين إما أن تكون بمعنى واحد، وإما أن تكون بمعنيين، فإن قلنا إنها بمعنى واحد، ففيه وجهان أحدهما: {يَدُ الله} بمعنى نعمة الله عليهم فوق إحسانهم إلى الله كما قال تعالى: {بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ للأيمان} [الحجرات: 17] وثانيهما: {يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} أي نصرته إياهم أقوى وأعلى من نصرتهم إياه، يقال: اليد لفلان، أي الغلبة والنصرة والقهر.
وأما إن قلنا إنها بمعنيين، فنقول في حق الله تعالى بمعنى الحفظ، وفي حق المبايعين بمعنى الجارحة، واليد كناية عن الحفظ مأخوذ من حال المتبايعين إذا مد كل واحد منهما يده إلى صاحبه في البيع والشراء، وبينهما ثالث متوسط لا يريد أن يتفاسخا العقد من غير إتمام البيع، فيضع يده على يديهما، ويحفظ أيديهما إلى أن يتم العقد، ولا يترك أحدهما يترك يد الآخر، فوضع اليد فوق الأيدي صار سببًا للحفظ على البيعة، فقال تعالى: {يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} يحفظهم على البيعة كما يحفظ ذلك المتوسط أيدي المتبايعين، وقوله تعالى: {فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ على نَفْسِهِ} أما على قولنا المراد من اليد النعمة أو الغلبة والقوة، فلأن من نكث فوت على نفسه الإحسان الجزيل في مقابلة العمل القليل، فقد خسر ونكثه على نفسه، وأما على قولنا المراد الحفظ، فهو عائد إلى قوله: {إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله} يعني من يبايعك أيها النبي إذا نكث لا يكون نكثه عائدًا إليك، لأن البيعة مع الله ولا إلى الله، لأنه لا يتضرر بشيء، فضرره لا يعود إلا إليه.
قال: {وَمَنْ أوفى بِمَا عاهد عَلَيْهِ الله فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} وقد ذكرنا أن العظم في الأجرام، لا يقال إلا إذا اجتمع فيه الطول البالغ والعرض الواسع والسمك الغليظ، فيقال في الجبل الذي هو مرتفع، ولا اتساع لعرضه جبل عال أو مرتفع أو شاهق، فإذا انضم إليه الاتساع في الجوانب يقال عظيم، والأجر كذلك، لأن مآكل الجنة تكون من أرفع الأجناس، وتكون في غاية الكثرة، وتكون ممتدة إلى الأبد لا انقطاع لها، فحصل فيه ما يناسب أن يقال له عظيم والعظيم في حق الله تعالى إشارة إلى كماله في صفاته، كما أنه في الجسم إشارة إلى كماله في جهاته. اهـ.

.قال ابن عطية:

{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8)}.
من جعل الشاهد محصل الشهادة من يوم يحصلها، فقوله: {شاهدًا} حال واقعة. ومن جعل الشاهد مؤدي الشهادة، فهي حال مستقبلة. وهي التي يسميها النحاة المقدرة، المعنى: {شاهدًا} على الناس بأعمالهم وأقوالهم حين بلغت إليهم الشرع {ومبشرًا} معناه: أهل الطاعة برحمة الله {ونذيرًا} معناه: أهل الكفر تنذرهم من عذاب الله.
وقرأ جمهور الناس في كل الأمصار: {لتؤمنوا بالله} على مخاطبة الناس، على معنى قل لهم، وكذلك الأفعال الثلاثة بعد، وقرأ أبو عمرو بن العلاء وابن كثير وابو جعفر: {ليؤمنوا} بالياء على استمرار خطاب محمد عليه السلام، وكذلك الأفعال الثلاثة بعد. وقرأ الجحدري: {وتَعْزُروه} بفتح التاء وسكون العين وضم الزاي. وقرأ محمد بن السميفع اليماني وابن عباس: {وتعززوه} بزاءين، من العزة. وقرأ جعفر بن محمد: {وتَعْزِروه} بفتح التاء وسكون العين وكسر الزاي ومعنى: {تعزروه} تعظموه وتكبروه، قاله ابن عباس: وقال قتادة معناه: تنصروه بالقتال وقال بعض المتأولين: الضمائر في قوله: {وتعزروه وتوقروه وتسبحوه} هي كلها لله تعالى. وقال الجمهور: {تعزروه وتوقروه} هما للنبي عليه السلام، {وتسبحوه} هي لله، وهي صلاة البردين.
وقرأ عمر بن الخطاب: {وتسبحوا الله}، وفي بعض ما حكى أبو حاتم: {وتسبحون الله}، بالنون، وقرأ ابن عباس: {ولتسبحوا الله}. والبكرة: الغدو. والأصيل: العشي.
وقوله تعالى: {إن الذين يبايعونك} يريد في بيعة الرضوان، وهي بيعة الشجرة حين أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الأهبة لقتال قريش لما بلغه قتل عثمان بن عفان رسوله إليهم، وذلك قبل أن ينصرف من الحديبية، وكان في ألف وأربعمائة رجل. قال النقاش: وقيل كان في ألف وثمانمائة، وقيل وسبعمائة، وقيل وستمائة، وقيل ومائتين.
قال القاضي أبو محمد: وبايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصبر المتناهي في قتال العدو إلى أقصى الجهد، حتى قال سلمة بن الأكوع وغيره: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت، وقال عبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا نفر.
والمبايعة في هذه الآية مفاعلة من البيع، لأن الله تعالى اشترى منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، وبقي اسم البيعة بعد معاقدة الخلفاء والملوك، وعلى هذا سمت الخوارج أنفسهم الشراة، أي اشتروا بزعمهم الجنة بأنفسهم. ومعنى: {إنما يبايعون الله} أن صفقتهم إنما يمضيها ويمنح ثمنها الله تعالى.
وقرأ تمام بن العباس بن عبد المطلب: {إنما يبايعون الله}. قال أبو الفتح: ذلك على حذف المفعول لدلالة الأول عليه وقربه منه.
وقوله تعالى: {يد الله} قال جمهور المتأولين: اليد، بمعنى: النعمة، أي نعمة الله في نفس هذه المبايعة لما يستقبل من محاسنها.
{فوق أيديهم} التي مدوها لبيعتك. وقال آخرون: {يد الله} هنا، بمعنى: قوة الله فوق قواهم، أي في نصرك ونصرهم، فالآية على هذا تعديد نعمة عليهم مستقبلة مخبر بها، وعلى التأويل الأول تعديد نعمة حاصلة تشرف بها الأمر. قال النقاش {يد الله} في الثواب.
وقوله: {فمن نكث} أي فمن نقض هذا العهد فإنما يجني على نفسه وإياها يهلك، فنكثه عليه لا له.